يُعد الجبل كأعلى متحف مفتوح على مستوى العالم، وهو من أشهر معالم السياحة التركية، حيث تتربع بقمته أنقاض مملكة “كوماجين”، والتي تتميز باحتواءها على نسبة كبيرة من الآثار التاريخية الساحرة، التي وجدت في القرن الأول قبل الميلاد. يقدر ارتفاع الجبل بنحو 2000م، ويقع على بعد 40كم من شمال قحطا (Kahta)، وبالقرب من آديمان (Adiyaman)، جنوب شرق الأناضول، كما يعتبر جزء من حلقة جبل الثور، على ضفة نهر الفرات. وبما يخص الاسم الذي يشتهر به الجبل، “النمرود”، فلم يذكر في القرآن، بل ربط مفسرون مثل الطبري، بين الملك نمرود البابلي، والملك الذي تحداه النبي إبراهيم، في سورتي الأنبياء والبقرة، فيما شكك بعض المؤرخين والمفسرين، بعلاقة نمرود التاريخية، مع الملك الطاغي الذي ذُكر في القرآن، واعتبرت الكثير من الثقافات، أن نمرود أحد الأساطير العملاقة، ويرمز لقوى الشر، حيث سميت الكثير من المدن التراثية في العراق بإسمه. يتشكل البناء المذهل بهذا الجبل، من مجموعة ضخمة من الألواح الضخرية، لتُكَوِّن ما يشبه الهرم، القسمان الشرقي والغربي، يتكون عن مدرجات، توصل إلى معبد مفتوح، وعلى هذه المدرجات، هناك تماثيل هائلة لأسود وصقور، و5 تماثيل ضخمة للآلهة التي كانوا يعبدونها، منهم 4 رجال وامرأة، وهي أكثر الأشياء المذهلة المحفوظة في هذا المكان. الأسرار الدينية في جبل النمرود: بحسب الكاتب “سليمان غانم” فإن المعبد الملكي، الذي أسس على الجبل، من قبل الملك “أنطيوخوس الأول”، يعكس بوضوح ثقافة التوفيق بين الأديان، التي كانت شائعة خلال تلك الحقبة، في الممالك الهلنستية، عبر دمج تماثيل الآلهة الإغريقية والفارسية، بلباس موحد، وهو إشارة إلى المساواة بين العقائد، لدمج الشعبين الفارسي والإغريقي، إلا أن الجبل غامض لناحية معانيه الدينية، وأسباب تأسيسه، والديانة التي كانت متبعة في المملكة. وبحسب معتقدات الباحثون، فإن النصب في الأصل، أسس بمساحتين كبيرتين؛ الأولى ضمن الجهة الشرقية، وكانت تستخدم للاحتفال بعيد ميلاد الملك أنطيوخوس الأول، والثانية في القسم الغربي، وكانت تستخدم من أجل الاحتفال بذكرى التأسيس، سنة 62 ق.م، وهو اليوم الذي يعتقد بأن الملك أنطيوخوس، أصبح فيه عضوًا في الجماعة الدينية السرية، لمملكة كوماجين. وتعني مملكة الكوماجين، “مجتمع الأحياء”، وقد وُجدت كمملكة مستقلة عن ميثيريدس كالنكوس (Mithridates Kallinikos) الأول، في بداية القرن الأول قبل الميلاد. ظهرت المملكة، خلال حكم انطيوخوس إبيفانيس (Antiochus Epipanses)، إبن ميثيريدس كالنكوس (62-32 قبل الميلاد)، وخلال سنة 62 قبل الميلاد، شيد المعبد فوق الجبل، وكان يحرسه تمثالان كبيران لأسدين، وتمثالان لصقرين، والعديد من “الألهة” اليونانية والأرمانية والإيرانية. وكتب على كل إله، اسمه، وخلال اكتشاف المعبد، كانت في حينها رؤوس التماثيل منفصلة عن التماثيل، وملقاة على الأرض، وهذا يدلل على تعرض هذا المعلم المهم إلى إضرار متعمد. وعثر في الموقع ذاته تماثيل أخرى، يصل طول الواحدة منها لـ 49م، وبقطر 152م، واتخذت التماثيل النظام اليوناني في نحتها، ولكن الملابس كانت تبدو فارسية. يوجد على الشرفة الغربية، تمثال كبير لأسد، ويظهر بالقرب منه، عرض لترتيب النجوم والكواكب، (عطارد والمريخ والمشتري)، ويعتقد المؤرخون أنه ربما قام هؤلاء القوم باكتشاف هذه الكواكب، عندما بدؤوا في العيش على قمة الجبل. ومن الجهة الشرقية، كان محفوظًا بشكل جيد، حيث يتألف من طبقات من الصخور، وممر جدرانه من الصخور، وهو الممر الذي يربط الجهة الشرقية بالغربية، وهو يمر بقاعدة الجبل، وبحسب ما يعتقد فإن الموقع، كان يُستخدم لعمل الطقوس الدينية، خلال الظواهر الفلكية. يفضل زيارة هذا المعلم العريق المهم، خلال الفترة المحصورة بين 15 أيار/ مايو، إلى 15 تشرين الأول/ أكتوبر، عبر حافلة رحلات يمكن أن تستقلها من “قحطا” أو “آديمان”، واكثر ما يبهر الزائرين، اوقات شروق الشمس وغروبها، حيث تثير اعجاب الزائرين واهتمامهم، لاسيما عشاق التصوير. وبما يخص التفاسير والتحاليل التاريخية لحقيقة تكون هذه الآثار ودلالتها، نشر الكاتب “سليمان غانم”، أبحاثه في مقال، ضمن أبحاث تاريخية قائلًا: “من الممكن وفق المعطيات الأثرية للمعبد، في جبل النمرود، أن يكون الملك أنطيوخوس الأول، واحدًا من الكهنة المجوس، الذين لديهم معرفة فلكية خارج حدود الأرض، ومن الممكن أن يكون موقع المعبد، مكان اتصال بين المؤمنين المجوس، والمشتغلين بعلم التنجيم والفلك والفضاء الخارجي، فالمعطيات الأثرية في الموقع، تتيح طرح مثل هذه الفرضية، أو التأكيد على مثل هذه الفكرة!”. وخلال ضم المملكة من قبل الرومان في القرن الأول الميلادي، تفرقت الحاشية الدينية لمعبد جبل النمرود في المنطقة، بعد أن هدم على أيدي الرومان، خلال تلك الفترة، واختفت هذه الحاشية بما تحمله من أسرار دينية تخص المملكة، وبقيت الأسرار الغامضة التي تحيط بالجماعة الدينية السرية، وبمملكة كوماجين، والديانة المتبعة فيها لغزًا عصيًا على الفهم، وبهذا أغلب الباحثين يؤكدون على أن الغموض، والمعلومات القليلة التي تم جمعها من الموقع، تدل وبكل تأكيد، على معرفة قوية واستثنائية بعلم الفلك والتنجيم، وعلى أفكار دينية عالمية متقدمة في ثقافتها الجامعة.